Thursday 14 August 2014

مقال: سندريلا "الأزاهرية" || هبه حداد

Share on Tumblr



لم اقتنع يوما بقصة السندريلا التي استغلت نفحة من ظروف مواتية لا علاقة لها بالزمكانية من اجل ان تجد مخلصا لها من الفقر واليتم معا , فأستطاعت في ليلة واحدة أن تفعل ما لم يقدر على فعله غيرها من الفتيات اللواتي اجتهدن لنيل قلب ذلكم الأمير , ولم اقتنع ايضا بسذاجته التي جعلته يبني كل آماله على ليلة واحدة وساعة واحدة ورقصة واحدة مع تلكم الفاتنة ذات الحذاء الزجاجي الجميل , حتى ان إنقضت الرقصة تركته في خضم الحيرة يتسائل عن سر هروبها الذي خلفت وراءه تركها فردة واحدة وليس كل الحذاء !! وانى له أن يجدها ؟ وتلك الفكرة الساذجة التي اقترحها الوزير لتكمل حبكة القصة الخيالية في تجربة فردة الحذاء الزجاجي الجميل على كل نسوة المدينة حتي يصل للفتاة المرجوة , ويعرف أين استقرت وسر فرارها السريع في هذيك الليلة السعيدة البهية, وإن اضطروا أن يهدروا وقت ومقدرات المملكة في تدشين جيش يبحث عن صاحبة الحذاء بتجربته على كل النساء !!

القصة عن اختلاقات بشرية تصف كيف يعمل لطف الله لينفقذ المستضعفين في الأرض الذين تعذبوا واخلصوا وعاشوا في رضا وسعادة يدعونه أن ينظر لهم بعطف وأن يٌرسل المُعجزة المخلصة من كل شرور الناس !! و بطرق ساذجة تم حياكة القصة على اختلاف الراوي وبنسخ متعددة , فمنها من انتهي بالزواج الملكي الأسطوري بين الأمير و الحافية و ومنها من تمادى فألحق أشد العذاب بهؤلاء الذين استضعفوا السندريلا ليكون ذلك شفاء لغليل من تألموا بسبب معاناتها التي فقط اورتدها 10 دقائق من السرد الشيق المتواتر بين حالات إنسانية شملت دروس ومواعظ من فقر , امل , رضا , حب , دعاء , معجزة , هروب , معجزة اخرى , ومن ثم زواج سعيد! ولا احد يعلم ماذا ألم بسندريلا بعد هذا , عاشت سعيدة؟ كم طفلا انجبت؟ هل خلدا حبهما عدلا ومساواة بين الناس ومن يعانون نفس معاناتها التي كانت؟ وماذا عن الأمير , هل استمر حبه لها صادقا؟ لم يغيره الزمن؟ أكان حقا مقتنعا بقصة الجنية التي رتبت لسندريلا أمر دخولها حفل "ولاد الذوات"؟ هل راوده الشك يوما؟ هل عاش الوزير ليري ابن الأمير يأخذ مكانه الأثير ؟ ماذا عن المؤامرات؟؟ 

تلكم قصة زائفة!! لا ترقي للنبض الذي خلفه حذاء آخر بالي متهالك في احدى شوارع المدينة التي تتنفس الدم ليلخص ما كانت عليه حال صاحبته و ليؤرخ للباقين كيف سيُكتب التاريخ!! 

هذا الحذاء ليس زجاجيا براقا اتت به جنية انبثقت من العدم لتهديه لصاحبة الحذاء , انما هو حذاء سطر وبكل رقة وبساطة قساوة الأيام التي جسدت عمره الصغير والعتيق في أن واحد , معايشة شظف الحياة ويبادلها بالدق المستنبض من مسماره الرقيق المزخرف بشىء من الحياء و والإنهاك, في رحلة الذهاب والإياب من وإلي منابر العلم , كأي قصة كفاح طلابية معروفة. ولكن ما زادها غموضا هو قدرته اللامتناهية على السرد , وبشيء من التفصيل , فكأنه "بطاقة هوية" لصاحبته التي لا نعرف تحت أي ظرف غادر جعلها تتركه بكلتا فردتيه و تفر هاربة و ما هي الأحداث التي سبقت و تلت خطة الهروب تلك!! وربما كانت تلك اللحظات هي لحظة الوداع المؤجلة بينه وبين صاحبته فهو قديم بكل ما تحمله الكلمة من معاني , ولكنه يفوق القاهرة قدما و حضارة , لما يجسده من قيمة تلكم الإنسانة التي عانت تشققاته العتيقة وبالرغم من وضاعتها وسوء منظرها فلم تنفك أن يستمر معاها مصاحبا ولهو منتعلة حتى تكتمل القصة العتيدة في الدب بهمس متواتر على الشوارع اليابسة الحزينة , ناشرا الفرح تارة والبؤس تارة , والأمل تارات كثيرة , ولونه الأبيض الذي ما دل عليه إلا خيالات إجمالية كونتها النظرة الأولي عليه , هو لون براءتها الطفولية التي لم تتعدى كونها سرب ناغم من فراشات بيضاء تعفرت بلون القاهرة المتسخة , وماتت مختنقة في صمت بأحد الزوايا العنيفة !! بينما سيبقي الحذاء متسخا واقفا في هدوء ساخر يستفز الرصيف الملقى فوقه والدبابة التي مرت بجواره و المدفع و الغاز والظلم و القهر و لحظات البؤس الإنساني التي اضطرت "فراشة" أن ترتدي مثل هذا الحذاء وبهذا الإصرار حتي يصيبه الأعياء و الإثراء معاً! نعم قديم, و قبيح , وبالي و لكنه هتف في دقة لا تعرفها اكثر الجمل صدقا فأنشد في ألم "احببت وطني, ولم يبادلني الحب  "!!!




No comments: