Thursday 14 August 2014

مقال: في أزمنة متوازية || هبه حداد

Share on Tumblr
 دلفت الجراحة الماهرة إلي غرفة التعقيم كعادتها , جعلت تُعقم يداها و تخلل أصابعها بالمطهر ... فهي جراحة ماهرة و تلك الأمور لا تفوتها ... أقفلت عينيها وجعلت تتابع بعقلها العبقري خطوات العملية الجراحية المعقدة وبطبيعتها التنافسية فلقد أقدمت عليها رغم مرور وقت قصير على حادثة إطلاق النار الشهيرة بالمستشفي التي تعمل بها والتي راح ضحيتها عدد من الأبرياء من المرضي و الأطباء , شاهدت بنفسها مقتلهم على يد ذلكم العجوز الغاضب الذي ود أن ينتقم من كل طاقم الجراحين لظنه السبب في تدهور حالة زوجته وأضطروه أن يوقع وثيقة رفع أجهزة الإعاشة عنها بالرغم من أمله الكبير في بقاءها على قيد الحياة لكنها تنازع في غيبوبتها ..
كانت مع صديقتها الطبيبة الحامل مختبئتين بأحدى الغرف الجانبية يتباعان في رعب مايحدث بالخارج إلي أن أعترض طريق الرجل المجنون زوج الأخيرة فأرداه برصاصة و رحل يكمل مخططه في أبادة باقي الطاقم ... فأهرعتا لنجدة الجراح المسجى في دمائه محاولتين سبر أغوار مهارتيهما الجراحية في إنقاذه من موت محقق و إجراء عملية جراحية للشق عن صدره الذي اثخنته رصاصة الثأر!
تضطرب وهي تمعن في التعقيم ويداها ترتعش لعبور تلك الذكرى المؤلمة على مخيلتها وفي هكذا وقت حرج لابد فيه من تكريس عميق العقل لإنجاح العملية الجراحية المنوط بها تنفيذها ... تجر قدماها اللتين تحجرتا نحو المريض و كل ما فيها يتفصد عرقا خوفا من كل شيء كل صوت كل ردة فعل ...تتعلق عيناها بالباب الذي دخل منه الرجل الثائر مرة اخرى لمهاجمتها ويدها في عمق صدر ذلك الجراح المتعلقة روحه بين الحياة والموت في أمل الإنقاذ , يدفع الرجل صديقتها الطبيبة الأخرى الحامل نحو الأرض فيُغشى فيما يأمرها بأن توقف العمل على إنقاذ الجراح, فيتصادم خوفها من الموت على ذلك المجنون وبين واجبها السامي في إنقاذ حياة رجل قد شارف على الموت !! وتتعالى صرخات الرجل أمرة إياها بالعدول عما تفعل مرات ومرات فيصل الأنفعال بها مداه فتصرخ قائلة " لا لا لا لا . ." وعندها يتدخل احد رجال الشرطة الذي يهجم على الرجل و يشل حركته ... عندها تسقط أحدى أدوات الجراجة على الأرض فتنهار كريستين التي أرهقتها الذكرى المؤلمة فتنتابها نوبة من الفزع الحاد فتلتصق بالأرض وتغرق في صراخها المحموم ...
على إثر حالتها النفسية قررت إدارة المستشفي بإخضاع كل الجراحين الذين عايشوا تلك الواقعة المفجعة للفخص والتأهيل النفسي ولا يتم تمكينهم من ممارسة الجراحة إلا بعد أن يتبين إعادة تأهيلهم بالكامل .... تلك كانت احدى حلقات المسلسل الطبي الشهير "Grey's Anatomy" !!! التي تذكرتها وأنا أسمع تسجيلاً لما دار في أرض الشهداء #‏رابعة و
#‏النهضة !! هؤلاء الذين نجوا من الرصاص و الدهس والحرق والقناصة و شاهدوا بأم أعينهم أحبائهم وأصدقائهم وأزواجهن وزوجاتهم وقد أثخنهم الظلم قبل الموت على يد غربان جهنم !!!
آنى لهؤلاء أن يتأهلوا نفسيا في مجتمع أعتبر دمهم حلال ومقتلهم نُصرة و أموالهم متاع مٌباح !! كيف يتمكن هؤلاء من النوم ليلا و الذكرى المضرجة بالدماء شاهدة أمامهم ليل مساء في أطفالهم الذين يذكرونهم بالأحبة في الشوارع في عيون الأصدقاء وصورهم المحببة في نشرات الأخبار في الأصوات في كل صرحة ألم نبعت ومعها سهم من سهام "حسبنا الله ونعم الوكيل" ... كيف !!! والله لن نوفي حق كل مؤمن شهد موقعتي الفداء,ولو أجتهدنا الدهر ....


No comments: