Wednesday 25 March 2015

إمامةُ أصحاب "قوس قزح" (آئمة المساجد المثليين) | هبه حداد

Share on Tumblr


في سياق حديثنا عن الإنفتاح الذي قام به الغرب خلال السنوات الخمس الأخيرة بأحتواء المثليين إجتماعيا و سن القوانين التي تسمح لهم بالزواج المثلي و حصولهم على كامل حقوقهم في البنوة و التبني و الميراث و العمل , والتي ربما حظوا بمعظمها تحت ضغط عدد لا بأس به من جمعيات مدنية لا تتبع أي من الديانات كالمسيحية او اليهودية, والتي هدفها الأساسي ليس فقط التعريف بحق "المثلي" في الحظي بحياة شبية بتلك التي يعيشها الرجل "المستقيم" بل و دمجه بالمجتمع دمجا كاملا ليصبح شخصا فعالا كأي إنسان عادي! فلا نكاد حاليا نشاهد فيلما أو نتابع مسلسلا أو نتصفح أخبارا عالمية إلا ونجد فيها من القدر غير القليل عن حقوق أولئك المثليين و الزج بفكرة تقبلهم للجمهور زجا بشكل أو بآخر , ومحاربة فكر رفض الجنسية المثلية "homophobia " على أعتبارها صنفا من صنوف العنصرية "Racism", وهي النغمة التي عَلى صوتها بشكل كبير سواء مدنيا أو إعلاميا على عكس ما كان معروف منذ عشر سنوات مثلا من نظرة تحقيرية وتهكمية لتلك الفئة (LGBT).
ربما كل هذا كان ليبدو عاديا إذ ما تخطينا حدود تعاليم الأديان لمفهوم حقوق الأقليات. لكن في عام 2013 أعلن بابا الفاتيكان موافقتة الدينية والروحية على زواج المثليين بمؤتمر صحفي مصغر أقيم على متن طائرة كانت عائدة به إلى روما بعد حضوره يوم الشباب العالمي, صرح فيه بشكل مقتضب قائلا:


" عندما أقابل شخصا مِثّلي, علي أن أفرق بين كونه مِثّلي وبين كونه جزءا من فريقٍ للضغط. فإذا كان هؤلاء المثليون يتقبلون الرب ولديهم نية طيبة, فمن اكون أنا ساعتها لأحكم عليهم؟ إذ لا يجب علينا تهميشهم, فهم أخوة لنا بغض النظر عن مشكلة تثيرها حقيقة ميلهم للشذوذ الجنسي" !!

وإن كان هذا رأي بابا الفاتيكان, المعروف بتفتحه نحو تقبل الآخر على أختلاف ذلك الاخر, ولسنا به حتما بملزمين, فما هو الحال إذن إن علمنا بوجود جماعة من آئمة المسلمين , من أصحاب قوس قزح؟
أئمة المساجد المثليون
في أواخر عام 2014 نُشرت عدة مقالات في مواقع أخبارية عالمية كالواشنطن بوست والنيويورك تايمز وحتى الجزيرة إنكليزية لتقديم ما يسمى "بالآئمة المثليين" للمحتوى الإعلامي العالمي! أردنا أن نذكر الرواد منهم , للتعريف بالأمر. 
1-    ضي عبد الله : أفريقي-أمريكي, يعمل إماماً لجماعة من المسلمين , المثليين, بمسجد "ضوء الإصلاح" بواشنطن. ويذكر عبد الله أن الحاجة هي من ألجأته إلى الإمامة, ففي حادثة موت أحد أصدقائه المسلمين المثليين جراء مرض الإيدز , لم يجد أهله احداً من الأئمة يقبل بالقيام بمراسم صلاة الجنازة و الدفان, فأوكلوا إليه تلك المهمة , وهي الحادثة التي حثته لكي ينظم مع جماعة من المسلمين المثليين مجتمعا مصغرا يتخذ مسجد ضوء الإصلاح مقرا لخدمتهم. وبالأضافة لإمامة الصلوات الخمس, ومراسم صلاة الجنازة, عبد الله لديه أيضا صلاحيات عقد القران للمثليين . جدير بالذكر أن عبد الله ولد لأبوين كاثولكيين يعملان بإحدى الكنائس, وتحول حديثا للإسلام! 

2-    محسن هندركس: باكستاني يحمل الجنسية الجنوب أفريقية و يؤم أكبر تجمع للمسلمين المثليين في مدينة "كيب تاون". هندركس كان أول إمام يعترف بمثليته بالرغم من إنحداره من عائلة تمتهن الإمامة في المجتمع المسلم بجنوب أفريقيا" . هندركسن بعد زواجه و إنجابه أولاده الثلاث أتخذ قراره بمصارحة عائلته بأمر مثليته , و أخذ على عاتقه العمل على نشر ثقافة التقبل والتقريب بين جماعته التي يرأسها وبين الآخرين, على حد قوله.
ويقوم هندركس بالأمامة وتقديم دروس الدين الإسلامي منذ سنوات بمنظمته "الدائرة الداخلية", كما قام بتقديم كتاب بأسم "الحجاب: إزاحة الستار عن حياة المسلم المثلي"! والذي يقول في مقدمته: 
"هذا سهم من قصصٍ مختارات من واقع الحياة لأولئك الذين ناضلوا و مازالوا يناضلون للتوفيق بين الروحانية و حياتهم الجنسية. وهذه القصص  توضح وحدانية الوجود و التفكير في كيف أن بعض تفسيرات الكتاب المقدس (= يقصد القرآن الكريم) قد تنفر أولئك الآخرين "المختلفين" . 

3-     لودفيك-محمد زاهد: فرنسي من أصول جزائرية , ومؤسس أول مسجد للمسلميين المثليين بباريس/فرنسا , حيث يتم الترحيب بكل الأقليات المثلية وتقام الصلوات التي يصلي النساء فيها بجوار الرجال جنبا إلى جنب. زاهد الذي يقول أن أمه التي كانت تعامله خلال طفولته و حتى سنوات شبابه الأولى كأبنتها وليس كأبنها, هي أول من عارضت مجاهرته بأمر مثليته معارضة قوية, إلا أن دعم والده جعله قادرا على متابعة ما يريد من نشر ثقافة تقبل الآخر خاصة في وسط مجتمع المسلمين المنحدرين من أصول عربية كالجالية الجزائرية. ولقد تعرض زاهد لتهديدات كثيرة بالقتل و التشهير لذا فضل الهجرة إلى جنوب أفريقيا حيث يعيش مستقرا يعمل كأمام وسط جماعته من المسلمين المثليين. 

هل حرم القرآن المثلية الجنسية؟
من وجهه نظره وفقط , يجيب ضي عبد الله, إمام مسجد ضوء الإصلاح بـ "واشنطن", ردا على سؤال وجهه له محاور بموقع Vice عن سبب تحوله من المسيحية للإسلام بالرغم من معرفته أن معظم المسلمين يوقنون أن القرآن حرم المثلية الجنسية , إنما الأفعال الجنسية التي أدانها القرآن هي التي مورست دون موافقة الطرف الآخر , فكان نوعا من التعذيب ( يقصد فعل قوم لوط), فتلك الأفعال الجنسية هي التي حُرمت وليس الميل الجنسي المشترك , فالقرآن لا يدين أي ميول جنسية !!
ومن وجهه نظره فقط أيضا, يذكر محسن هندركس, إمام منظمة الدائرة الداخلية بمدينة "كيب تاون" " في الإسلام ، ينبغي أن تكون شخصيتك تجسد ما جاء به القرآن. لكن القرآن ليس ضد المثلية الجنسية. وقد بدأ العلماء مؤخرا في الاتفاق على ذلك في وقتنا الحاضر, فكل ما يمكنهم قوله هو أنها خطيئة ولكن ليست بجريمة! إلا أن شيئا لم يذكر عن الشذوذ الجنسي بالقرآن, فلديك حادثة سدوم وعمورة ، والتي إذا تم دراستها بشكل صحيح تجد أنهم استحقوا العذاب لتفشي الدعارة ، والتحرش الجنسي والاغتصاب ! لا يمكننا أبدا تغيير القرآن ، ولكن يمكننا تغيير ما تم فهمه من تفسيره".
فيما يرى علماء السنة التقليديين المعاصرين كالشيخ محمد مختار الشنقيطي والشيخ عبد الله بن حامد, مع تأكيدهم على أن من يأتي بتلك الأفعال من المثلية الجنسية هو "فاسق", إلا أنهم يرون أنه لا توجد ثمة عقوبة زمنية منصوص عليها في المصدرين الأهمين للشريعة الإسلامية , القرآن و السنة, تقضي بعقوبة المثلي الجنسي لمجرد "كونه" مثلي جنسي دون إرادة منه ودون إتيانه بالفعل جهرا .
فعلى الرغم من أن بعض الفقهاء الكلاسيكيون يعتبرون أن أتيان مثل هذه السلوكيات الشاذة عن الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها هو فعل غير أخلاقي، إلا أن المسألة باتت لتأخذ منحى أكثر تطورا! فالشيخ حامد العلي في كتابه "مثليو الجنس والتحدي لأخلاقيات المسلم" قام بتوثيق كيف حاول بعض الفقهاء أن يفهموا سلوكيات أولئك الذين يتصرفون بسلوك جنسي شاذ "المخنثين" , وما إذا كان ذلك على أساس فطري أو عن طريق الاختيار. وقال انه أقتبس من الإمام يحيى ب. شرف النووي رحمه الله (1277م) أنه "ليس ثمة ملامة, أو خطيئة ملصقة, او عقاب واقع بشرط إذا ماكان الشخص على مثل ذلك النحو من الميل الجنسي الشاذ بغير إرادة منه, فهو مُعَذّر" .
و يشير الشيخ علي أيضا إلى الفقيه "الحافظ ابن حجر العسقلاني (1448م) والذي استشهد من أقوال الإمام ابن جرير الطبري (922 م) على أنه " إذا ما ظهرت على الرجل خواص أنثوية نظرا لطبيعته التي خٌلق عليها دون إرادة، فبدلا من عقوبته يجب أن يتم تعليمه تدريجيا للكف عن ذلك الأمر" .

يبدو أن المشهد يتكرر في كل محاولات البعض من المنتسبين للإسلام بإختراع عقائد لإستبدالها بتلك المُسّلم بها من قبل الشريعة الإسلامية المستقاة من القرآن الكريم و السنة النبوية المشرفة عن طريق إوراد آيات مبتورة من القرآن , وأخرى بتفسيرات قد تشمل معاني كثيرة من أجل تذليل مهمتهم في الإدعاء وتفسير ما يروق لهم وفق نطاق بات بالي الإستخدام ألا وهو "الحرية الشخصية"! فيما لم تلتف أنظارهم آيات و تفسيرات تنهي عن الأتيان بالفاحشة "سواء كانت إجباريا - كما أدعوا" , أو "أختياريا - كما يحاولون تبريره"! 

المصادر:
1-    موقع صوت الكاثولوكي " DID POPE FRANCIS SAY HOMOSEXUAL BEHAVIOR IS OK? "
http://www.catholicvote.org/did-pope-francis-say-homosexual-behavior-is-ok/
2-    موقع الواشنطن بوست " Imam Daayiee Abdullah welcomes gay Muslims to worship, marry
" http://goo.gl/OVk4CY
3-    موقع الجنوب أفريقي " I am an imam, but I’m also gay. And I’m prepared to die for this "
http://goo.gl/j0Nu2B
4-    موقع "Vice" " Life as a Gay Imam Isn't as Bad as It Sounds "
http://goo.gl/Ne8iLb
5-     موقع ويكبيديا " Sodom and Gomorrah "
http://en.wikipedia.org/wiki/Sodom_and_Gomorrah
6-    موقع الهافنجتون بوست " Why Gay Marriage May Not Be Contrary To Islam "
http://www.huffingtonpost.ca/faisal-kutty-/gay-marriage_b_5044372.html
7-    شبكة الألوكة الإسلامية, كتاب "شروط الإمامة في الصلاة: مفهوم وفضائل وأنواع وآداب وأحكام" للشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني.
http://www.alukah.net/library/0/50279/

No comments: