Friday 27 March 2015

التسليع , ومفهوم الأرض الوسيطة - هبه حداد

Share on Tumblr
في مناقشة حامية الوطيس بين بعض أقطاب نشر الكتب الإسلامية في مصر والعالم العربي على أحد مواقع التواصل, أستخدم البعض مفهوم "التسليع" كتبرير لإنتشار تجارة المكتبات الحديثة التي تقوم على بيع الكتب "البيست سيلر" بدلا من الإعتراف بإزدياد على إعتناق ثقافة القراءة بين الجمهور.
وفي رأي , مبدئيا , للفصل بين معارك المفاهيم , يمكن تفكيك مفهومِ كالتسليع = غرز الحدث كقيمة ثابتة من ضمن الثوابت!  على عكسه نجد "التسويق" أو "الترويج" , لأي حدث معنوي "كالمثلية" أو مادي "كالكتب" مثلا, وهما مجردا مفهومين تجاريين تفرضهما أسباب السوق و القاعدة الجماهرية المتحكمة في ذلك السوق!
إنتشار سلاسل المكتبات على غرار النمط التسويقي يدخل في نطاق "إنتشار التسويق" أو "الترويج" , سعيا وراء ما أحدثه إنتشار الكتب بين الناس من رواج مادي, وهو ليس تسليعا! .. لأنه لو كان كذلك لرأيت خيار "الجزار" البديهي في إفتتاح باب رزق هو "مكتبة" بدلا من "محل للجزارة" ! أي أنها لم ترقى لتكون قيمة مغروزة في سجل القيم المجتمعية المصرية إلى الآن..
     والسؤال , بعد حل جدلية التسليع المغلوطة هنا , هل إنتشار ثقافة القراءة بين الناس و الشباب على وجه الخصوص كان سببا في إنتشار سلاسل المكتبات, أم العكس !
الإجابة في رآي , أن إنتشار الفعل , جلب ردَ فعل ! أيً كان الباديء !
فالكتب الإسلامية على سبيل المثال , غزيرة الإنتاج منذ الثمانينات أو ربما قبل ذلك, وكان لها جمهورها المعروف الذي بأستطاعته التعايش في الظل معها , إلا أنها لم تدخل مضمار لعبة "التسويق" إلا مؤخرا , فبات لها نجوم تمثل في حداثتهم تلك الرائجة بين أطياف المثقفين العمومين (ذوي  الإهتمام الغير الإسلامي من الأدب و العلوم وغيرها..)
مثال: السمنة في الخليج من اكثر الأمراض ذيوعا, بعضهم أرجع ذلك لأنتشار ثقافة الفاست فود , إلا أن البيوت الخليجية معروفة بالمحافظة على طقوس الطبخ المنزلي بشكل يومي ( و الكوزين الخليجي لم تدخل عليه إضافات دخيلة تقلل من فرص الأصابة بأمراض القلب والسكر نظرا لدسامة مكوناته كما حدث مثلا للكوزين المغربي نظرا للأستعداد الفطري بأستخدام مكونات أكثر صحة كزيت الزيتون بالإضافة للأختلاط الثقافي الفرنسي) , بالرغم من ذلك تجد أن سلاسل الفرنشايز الخاصة بالمطاعم الفاست فود في تزايد مخيف!
هل السبب وراء إنتشار السمنة "=رد الفعل" في هذه الحالة إنتشار المطاعم (=كفعل) , (بالرغم مما ذكرناه من دسامة الكوزين الخليجي أصلا) أم إنتشار ثقافة "السيولة المادية" (=كفعل)! في رأي هي الأخيرة بكل تأكيد .. فنجد أن الخيار الأول لأي مستثمر بالخليج هو فتح مطعم , بالرغم أن المكتبات على ندرتها لها مدخولاتها الشهرية المتزايدة وجمهورها الثابت وشهرتها الثقافية المعروفة ! 

وعودةٌ للنموذج المصري, فأنتشار المفهوم الحداثي المصاحب لبريق "المكتبات", أيً كانت ما تقدمه من روايات دون المستوى و كُتب تُشبع الرغبة "السبكية" للجمهور, كما يروق للبعض أن يعرفها, (إلا أنها في النهاية أدت إلى رواج كيان "الكتاب" نفسه !) هي خطوة مبدئية جيدة في سبيل رفع مستوى القراءة بشكل عام! بالرغم من أصالة جمهور الكتاب "الإسلامي" العاكف بالظل منذ عشرات السنوات و إزدياده عاما تلو آخر في صمت (نظرا لسياسات القمع و المصادرة التي مارستها النظم السياسية على المفكريين الإسلاميين)! ولم يُشَرعَن لـ"الكتاب الإسلامي" دخوله ساحة الشهرة بخطوات واثقة إلا بإمرين:
1-    أهتمام غير ذوي الإيدولوجية الإسلامية من المفكريين بالكتابة عن تلك الإيدولوجية , على أختلاف الدافع دفاعا أو قدحا ! فأستدرجوا معهم جمهورهم نحو المنطقة الوسط بين الثقافة العامة (مما برعوا بالكتابة فيه), وبين الأرض الوسيطة من المواضيع التي تفصلهم عن "معاقل" التوجهات الإسلامية التي لا يفك طلاسمها إلا أصحابها!
2-    إقتحام المفكريين الإسلاميين مجالات الثقافة العامة , من نقد شعري وأدبي و وأجتماعي في محاولات "بايونيرية" , كانت في معظم الأحيان موفقة إلى حد ما, لفرض الطابع الإسلامي على مفاهيم الثقافة العامة من منطلق "فإن لم تستطع فبلسانك" !! وأولئك جلبوا معهم جمهورهم العرمرم من القراء والمريدين لنفس الأرض الواسطة بين الثقافة العامة بكل جوانبها المباحة, والثقافة الإسلامية بشفراتها المفككة وفقط من قبل المنتمين لها بالدم و الفكر !
وعلى ما تقدم , نشأت تلك المنطقة المحايدة بين المُعسكرين لينشأ مفهوم حداثة المواضيع, وتبسيطها و إنتشارها بالتبعية بين الجمهوريين !! الأمر الذي ألتقطه "التجار" من الجانبين واستثمره مستغلا الرواج الحادث للكتاب الإسلامي "اللايت" والمواضيع "المودرن-إسلاميست"بين الطرفين (ولسنا هنا في معرض أولئك التجار , فالتجارة تسعة أعشار الرزق وإن كره الكارهون! بغض النظر عن سوء الإستخدام المنتشر بين المثقفين لتوظيف نقد الرأسمالية على كل شيء بنفس أسلوب "التشيو" السهل الإستخدام!)
وبالنهاية نجد, أن جمهور الـ "the middle earth"هو صاحب المبادرة في خلق ثقافة المكتبات وليس العكس من منظور "تروجي" يرقى عن مفهوم "التجارة" بما يصاحبه من نظرة سيئة السمعة! فأستعرض الأمر دخولا للتطوير , كأي شيء بالحياة, فأصبحت دفة قيادة السوق بأيديهم, وهو بالتأكيد ليس تسليعا, لأن تاجر المكتبة "الغير مخلص, والمُحدث في الصَنعة" إذا ضربته سنين عجاف سيقلب مكتبته محل "فول وفلافل" بلا أدنى تردد!
وفي مقارنة كوميدية بين واقع المكتبات في مصر و الخليج, نجد أن خيار إفتتاح مستثمر مصري مكتبةً , في الآونة الأخيرة, من نفس المنظور ما بعد الحداثي كما ذكرنا آنفا, سيفوق خيار الخليجي, البديهي, في إفتتاح مطعم...! هل نستطيع عندئذ أن نزعم أن الكتاب للمصري بات أهم من "الطعام" !!!
تلك جدلية أخرى ..ربما يعجز توظيف هرمية الحاجات لماسلو على حلها !

No comments: