Thursday 14 August 2014

مقال: أخر عرايس النيل || هبه حداد

Share on Tumblr


(1)
واحداً من الأفلام العربية التي أشتهرت بها فترة الستينات, فيلم "عروس النيل " , إنتاج 1963 بطولة رشدي أباظة و لبنى عبد العزيز و إخراج فطين عبد الوهاب. فيه تشرح القصة عن عروس فرعونية أرسلتها الألهة الفرعونية للمهندس الشاب في الوقت المعاصر (وقتها بالستينات!!) لمنعه من العبث بمراقد الملوك الفراعنة بجنوب مصر في عزمه للبحث عن البترول.
(2)
رقية هاشم , عروس النيل , اخر شهيدات ثورة يناير 2011 , لقت ربها مطمئنة في بيتها بعد ثلاث سنوات من الألم والمرض. رقية الفتاة الرقيقة أصيبت بطلق رصاص في بطنها أثناء ثورة قامت من أجل الخلاص من الطغيان و الفساد وسنوات من تجريف المجتمع المصري اقتصاديا و علمياً و اجتماعياً, وأنتهاك حريات الإنسان و الظلم في كافة نواحي الحياة ومظاهرها على يد المعزول مبارك وعصابته.
(3)
في مشهد مؤثر بفيلم "عروس النيل" يتم تجهيز الممثلة التي تلعب دور الفتاة الفرعونية الجميلة من أجل إلقائها كقربان للنيل حتى يرضى وينعم على المصريين بخيراته فيتٌم فيضانه المٌنعم على الأرض والناس بالحياة و الإزدهار , كما كان يٌعتقد قديما في مصر الفرعونية. فتُحتشد المجاميع في الفيلم في موقف مهيب يغنون ويرقصون و يهللون في ذكرى إحياء عيد القمح أو الحصاد كما كانت عادة المصريين القدماء. في أخر اللحظات وقبل إلقاء الممثلة بثوانِ, يصمت كل شيء , يقف الزمن في لحظات أراد بها المٌخرج أن يٌكرس هيبة اللحظة وعظمة الفِداء التي تهم فيها العروس الفاتنة بالتضحية بعمرها وشبابها الفتان وأمنيات عمرها المٌقبل بإلقاء نفسها من أجل أن يعيش الآلاف في ظل خيرات ذاك النيل وتلكم الأرض.

(4)
في مسجد السلام بإحدى ضواحي القاهرة , الثائرة , كثيراً وكثيراً مٌستعسرة , أجتمعت حشود أٌخرى, فمنذ إعلان وفاة العروس رقية هاشم "مٌتأثرة بجراحها" , والتنوية عن مقر خروج الجنازة , تذهبت جموع كثيرة لحضور المشهد, فلم يكن ذالكم بمشهد قد يٌقارنه احد بأي شيء!! جموع كبيرة ممن يعرفون الشهيدة العروس أو ممن لا يعرفونها قد تجمعوا من رجال صلوا عليها صلاة الجنازة, وجموع ضخمة من الشباب الثوري والفتيات يمشون وراء الفقيدة "العروس" "فِداء النيل" لمٌستقرها الأخير المٌطمئن في كنف الله ورعايته , في مشهد إن أصغيت السمع والضمير لوجدته صامت , مَهيب , توقفت عنده السنوات الثلاث حصاد ثورة "اللوتس" 25 في وجل لتودع التضحية الشابة ! وكأن الصمت كان أبلغ ما قد يٌقال في هكذا مقام , فكأن كل فرد مٌشيع لرقية لمثواها الأخير إنما ينعي نفسه وينعي ثورته .. المستمرة بمزيد من حصاد الأعمار النضة الخضراء..
(5)
الفيلم ولو كان ضمن أيقونات السينما المصرية فهو واحداً من زمرة الأفلام التي كرسها الإنتاج السينمائي بالستينات من أجل التعريف عن إنجازات ما أسموه "ثورة 52 المجيدة" التي قام بها جمال عبد الناصر و جماعته من "العسكرتاريا" , فكان لابد من التمجيد للرخاء الأقتصادي والثقافي الذي وعدوا البلاد به من تنمية ورخاء !! ذلك الرخاء الذي جلبوه العسكر هو بالضبط ما جعل تضحية عرائس النيل أستنزاف مستمر وليس خياراً يهبه الفرد من طوع قلبه , فبعد 40 عاما من رخاء العسكرتاريا كان لزاما أن تقوم ثورة أخرى حقيقية وليس "إنقلابا على حكم برلماني" ليهب الشعب من رقدته العميقة رافضا كل مظاهر الزُل و الهوان التي سقاها له من جثموا على أنفاسه من أباطرة الفساد والمنتفعين!!
(5)
إن التضحية لهي أسمى الخصال التي قد يتمتع بها إنسان , ولكل إنسان الحق في إختيار متى يٌضحي بنفسه ليستقر بذلك أمر دنيا أو دين لمن حوله حسبما يتوافق ذلك تقديره لهم بالحب و الرعاية, والتضحية من أجل الوطن لهي من أعلى المراتب التي شهدت لها جميع الديانات السماوية و في ديننا الإسلام الحنيف لا يضيع أجر ذلك غرقا في النيل دون طائل وإنما جزائه جنات عليين ,,, ربح البيع يا عروس ,, ربح البيع يا رقية , ولكل شهداء الحرية ... لكم منا السلام ,, والثورة مستمرة. 


No comments: