Thursday 5 February 2015

كيف احتفظ بها؟ تحليل لفيلم "دراكولا: القصة التي لم تُروى" Dracula Untold 2014 || هبه حداد

Share on Tumblr
1- نقاط للأتفاق قبل التحليل:
مبدئيا قبل الحديث عن فيلم "Dracula Untold 2014" لابد ان نتفق على أمرين:
أ) الفيلم رائع لولا النهاية السخيفة التقليدية عن الـ Vampires أو مصاصي الدماء وهو الترحال عبر الزمن وصولا إلى العصر الحديث ومقابلة فتاة تشبه تلك التي توفت في مأساة قبل ان يصير خالدا يمزقه الماضي !! لذا من الممكن إعطاء الفيلم تقييم 1 من 5! فلقد خسر نقطة بسبب تلك النهاية "الكلاشيه", وخسر نقاط اخرى بسبب التزوير التاريخي!!
ب) الأمر الثاني والذي يجب أن نتفق عليه هو أننا لسنا بصدد تقييم دماثة أخلاق الجيش العثماني الذي صحب السلطان محمد الثاني او المعروف تاريخيا بـ"محمد الفاتح" أو "حيثيات تكوينه" !
2- أخوة الصغر أعداء بلا شك:
 في مشهد بالفيلم يبدو لغير العارف بمسيرة محمد الفاتح, نجد الأمير فلاديسلاف الثالث (دراكولا) والذي نصبته السلطنة على "واليشيا" متوجها وعلى وجهه إمارات الإشفاق و الخوف إلي خيمة الحرب السلطانية المنصوبة بالقرب من "واليشا" حيث يقابل محمد الفاتح , فيطلب منه الأخير ان يسلمه 1000 صبي ما دون الخامسة عشر من واليشيا للإنضمام إلي جيش السلطان! فيجيبه فلاديسلاف "خذني أنا يا سمو السلطان , أنت تعرف اني خير من 1000 ... يا اخي"!
فأجابه السلطان (بالفيلم) : "لن اجدد طلبي , 1000 صبي زائد واحد .. ابنك" , وأردف "سيعيش في كنفي كما عشت أنت في كنف والدي .. يا أخي" ..
وهنا تكمن نقطة التحول في مشاعر المتلقي, حيث يجعلك الموقف متعاطفا مع ذلك الأب "العطوف" الذي يحاول بشتى الطرف الحفاظ على ولده الوحيد من السقوط في ذل الأسر "العثماني" الذي عانى منه شخصيا! وحتى إن كنت تعرف القليل عن استراتيجيات الحروب العثمانية و تكوينات تلك الجيوش (التي ,أردنا الاعتراف بذلك أم لم نريد, تكونت من العديدين من أبناء الإمارات الأوروبية الذين اسروا صغار و أُنشئوا على الولاء للسلطنة! ) تجد نفسك متعاطفا مع دراكولا الذي باع نفسه لمصاص الدماء الذي جعله ذي قوة خارقة للقضاء على الجيش العثماني الزاحف على "واليشيا" وعلى رأسه ذلك السلطان الشاب الذي صوره ذلك المشهد بالتحديد بتفاهة صبي يلهو برقعة الحرب الممدودة أمامه غير عابيء بالآلآم التي تخلفها حروبه في نفوس "الأوروبيين" !

3- خلفية تاريخية:
 ربما يعلم البعض أن الأمير فلاديسلاف الثالث المعروف بأسم "دراكولا المُخَوزِق"(ودراكولا هو لقب عائلته)(1) بأنه أُخذ أسيرا وهو صغير هو وأخيه "رودو الوسيم" بعد هزيمة أبيهم "فلاديسلاف الثاني"و ظلا تحت كَنف السلطنة العثمانية في عهد السلطان مراد والد محمد الفاتح (2) وتعلما فنون الحرب و القتال و كان هذا تقليد عثماني غريب بأسر أبناء أمراء أوروبا التي فتحتها السلطنة العثمانية ومحاولة خلق فيهم وهم صغار "روح الولاء" للسلطنة وللسلطان!! وفي حالة دراكولا المُخَوزِق قد فشلت تلك الاستراتيجية بالتأكيد! فالبرغم من تنصيبه على "واليشيا" (الإمارة الفاصلة بين السلطنة وبين المجر ومحل النزاع الدائم بينهما) من قبل السلطان محمد الفاتح. 

إلا أن فلاديسلاف الثالث ركن إلي حاكم المجر جون هونيادي(3), الذي استفاد بمعرفة فلاديسلاف الثالث دراكولا ,الناقم على محمد الفاتح شخصيا والمد العثماني بأوروبا عموما, باللغة والثقافة التركية والأمور الداخلية للسلطنة, واتفقا على الإطاحة بمحمد الفاتح و وقف مد جيش محمد الفاتح إلي المجر, وعلى إثر ذلك قام فلاديسلاف دراكولا بقتل رُسل اتوه من قبل محمد الفاتح يطلب منه "الخراج" وخوزقتهم على أعواد خشبية , وذلك بحجة أنهم لم يحترموه بالشكل الكافي ولم يرفعوا خوذاتهم الحربية في حضرته حينما أمرهم بذلك وأجابوه أنهم "لايرفعونها إلا عند الصلاة"!! (غير أنهم بالتأكيد يرفعونها في حضرة محمد الفاتح لكن العزة أمام العدو واجبة بلاشك). 
لم يكتفي فلاديسلاف الثالث دراكولا بذلك ولكن لتوطيد علاقته بحاكم المجر اغار على إمارات تركية متاخمة وقام بقتل الآلآف من الفلاحين رجال ونساء وأطفال وخوزقتهم كصك ولاء لحاكم المجر(4)! فحشد الفاتح متوجها إلى واليشيا للقضاء على دراكولا المُخوزق فتم إستدراك الجيش العثماني في المعركة الوحيدة التي خسرها الفاتح واسمها "الهجوم الليلي على تارجوفيجت" (رومانيا)(5), ولولا خيانة احد اتباع دراكولا له مما ادى إلي تقهقره و هربه إلي المجر لربما كانت نهاية جيش الفاتح عن بكره ابيه في هجوم مباغت!
4- مغالطة تاريخية:
ولتعودنا المغالطات التاريخية التي تطوع بها هوليود الحبكة الدرامية, لا يجد المرء غضاضة أن يرى في معركة "الهجوم الليلي" ,والتي بسببها تم إلصاق الاساطير لدراكولا وقدراته اللابشرية و استطاعته هزيمة الجيش العثماني الذي اكتسح أوروبا و اوقع فيهم خسارة فادحة في الأرواح والعتاد, مقتل محمد الفاتح في معركة سجال بالسيوف بينه وبين دراكولا بعدما قام الأول بفرش خيمته الحربية بالعملات الفضية كنقطة ضعف له كونه "مصاص دماء" (وهي نقطة ضعف لا نعرف كيف علم بها محمد الفاتح في سياق الفيلم , ولكنه علم بها , وهي نقطة اخرى يُقصد بها نشاط جهاز الاستخبارات في جيش محمد الفاتح و كذا الخونة) ! وتلك المغالطة التاريخية غير صحيحة فالسلطان محمد الفاتح توفي مسموما في إحدى غزواته, وحينما توفي قامت الكنائس بدق إجراسها إحتفالا و بُعث برسالة إلي كل الامارات التي كانت تخشى السقوط على يده مفادها "مات النسر العظيم" (6)! 

5- الأثر النفسي:
دعنا نتحدث بأريحية عن الأثر النفسي الذي يتركه هذا الفيلم فيمن لا تستقر لهم وعي كامل عن الحقيقة التاريخية:
أ- التعاطف مع دراكولا , فيصل الأمر بالمشهد أن لا يرى غضاضة أن يشاهد الآلآف من الجيش العثماني مخوزق , على اعتبار أنه جيش قاسي القلب ابتدأ بالظلم"!
ب- فتوحات الفاتح إلي نهب الأراضي و اسر "الأولاد" الصغار من قبل جنود اتراك صورهم الفيلم بالـ " harassers - المتحرشين "!
6- فائدة "فهم" وحيدة:
أبناء أمراء الولايات الأوروبية المنهزمة كانوا أسارى للسلطنة العثمانية صغارا تمهيدا لتدجينهم للولاء العثماني وتعليمهم اللغة والثقافة التركية وأصول الحرب ليصبحوا "سباهي تركي - جندي تركي" (7) ومن ثم إرسالهم كبارا لحكم بلادهم تحت اللواء العثماني!
7- تناقض في الحبكة الدرامية:
هنالك نقطة تناقض كادت تخسرها حبكة الدرامية للفيلم لصالح حكمة العثمانيين وحنكتهم في حكم الإمارات الأوروبية التي غزوها لولا أن الحبكة أمعنت في إظهار قسوة و "تحرش" هؤلاء الاتراك "غلاظ القلوب" بهؤلاء الصبية , وبالتالي لا مانع أن تراهم مخوزقين على يد دراكولا! وهذه النقطة هي: "إذا كانت ظروف الأسر تحت الحكم العثماني قاسية لهذة الدرجة كيف احتفظ دراكولا بالمسيحية التي ركز عليها الفيلم في اكثر من مشهد"؟!

مصادر:
1- http://goo.gl/98gi5A
2- http://goo.gl/jectxN
3- http://goo.gl/lCeVCl
4- http://goo.gl/u4QZEV
5- http://goo.gl/61Nl5I
6- The Grand Turk: John Freely, page 180, 2009
7- http://goo.gl/DdTTJW

 


No comments: