Friday 5 April 2013

قصة: سلمى ... الجزء الثاني || هبه حداد

Share on Tumblr


في صيف عام 1992 ولدت "سلمى" و اخاها "فريدو" في لشبونه بوسط البرتغال بأحدى البيوت الفارهة المطلعة على احد اجمل مزارع الزيتون المحتضة امواج الأطلسى في الصيف و نازحة عنه في الشتاء. كان لعام الغزو اثره على مولد التوأمين , فأبوهما "فيصل" كويتى لأم اسبانية كان يدرس الفلسفة الرومانية بجامعة برشلونه , حيث التقى هناك بأمهما , "جراناتا ايمانويل" برتغالية لأم أردنية, حمراء البياض زيتونة العينين ممشوقة تميل بخاصرتها كلما تحدثت وكأنها تفرض لغة جسدها قبل عقلها , ضحكتها تبدو خجولة للوهلة الأولي و لكنها تنم عن عظيم شجاعة.


لم يكن "فيصل" ملما بأخبار بلاده عن قرب , إذ مولده في أول الستينات لأم اسبانيه جعله طول حياته بعيدا عن الكويت قاطنا ربوع برشلونه حيث ولد وقضى معظم طفولته وغادرها لعشر سنوات هى جل ايامه بموطن ابيه , ثم عاد من بعدها ليمكث فى اسبانيا بقية مراهقته و شبابه.


لقاء الأبوين "فيصل" و "جراناتا" لم يكن غريبا فكلاهما يدرس نفس التخصص و جراناتا كانت لها صولات و جولات بأنشطة الجامعة فهى كانت كالشعلة المتقدة تبنض بالحيوية والعمل , و كونها ليست اسبانية جعلها تجتهد اكثر من اترابها خشية فقدانها منحة الدراسة , إذ كان والدها رجل برتغالى بسيط يعمل فى حقول زيتونه و يصدرهم , فيغتنى موسما و يبقى باقى مواسم السنة يشكو الحر و الجدب , ونشاة "جراناتا" وحيدة بلا اخوة او اخوات في الحقول متحملا مسئولية العمل فيه مع ابيها الذى لا يفيق من سكرته إلا فى مواسم بيع الزيتون ولا يلبث ان يبدد ما جناه طوال العام صقل من قوة عزيمتها و صبرها , على نقيض ما كان فيه حال "فيصل" الذى ولد منعما مع اربع من الأخوة لأبيهم "جاسم" الذى عمل مستشارا ثقافيا في سفارة الكويت ببرشلونة لسنوات عديدة , حتى انه دُفن عند موته فيها , وأمه "موزيينا" الاسبانية التى كان والدها "فارتبيكو" تاجرا ثريا للغاية يقتنى أفخم مكتبة تراثيه بقصره فى جنوب اسبانيا, الأمر الذى وفر لفيصل مزيجا من الثراء و الثقافة , لكنه لم يكن ليعطيه حلولا تساعده على ما قد يحيق به جراء تقلبات الأزمان.


كانت جراناتا ترثي لحال والداها , فحين يغب في سكرته يجعل يهزى عن زوجته "جميلة" الاردنية , النازحة الفلسطينية الاصل التى وصلت وهى فى التاسعة عشر من عمرها إلي البرتغال بصحبة ابيها و أمها وأخيها "فريد" , وسكنوا بجوار ضيعتهم مع عمهم الذى نزح من قبلهم و استقبلهم. وفي المرات القليلة التى سردت فيها "جميلة" قصة اختها لزوجها "ايمانويل", ذكرت ان اختها التوأم لقت نحبها في معسكرات اللاجئين الفلسطنين التى جمعت فيها السلطات الأردنية جميع النازحين الفلسطينية في العام 1959, حتى أولئك الذين جنسوا بالجنسية الأردينة , ولم يتوقف بهم البؤس إلي ذلك الحد , إذ حاقت بهم الأقدار على نحو لم يكن يتوقعوه ... انتظروا الجزء الثالث


هبه حداد

No comments: